لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
شرح مختصر زاد المعاد
33538 مشاهدة
أحكام تتعلق بالطهارة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء وخاتم المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وسلم اللهم تسليمًا كثيرًا مديدا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الوضوء
كان -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ لكل صلاة في غالب أحيانه، ربما صلى الصلوات بوضوء واحد، وكان يتوضأ بالمد تارة، وبثلثيه تارة، وبأزيد منه تارة، وكان صلى الله عليه وسلم من أيسر الناس صبًّا لماء الوضوء، ويحذر أمته من الإسراف فيه، وصح عنه أنه توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا، وفي بعض الأعضاء مرتين، وبعضها ثلاثا، وكان يتمضمض ويستنشق تارة بغرفة، وتارة بغرفتين، وتارة بثلاث.
وكان يصل بين المضمضة والاستنشاق، وكان يستنشق باليمنى وينتثر باليسرى، وكان يمسح رأسه كله تارة، وتارة يقبل بيده ويدبر بهما، ولم يصح عنه أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة، ولكن كان إذا مسح على ناصيته كمل على العمامة، ولم يتوضأ إلا تمضمض واستنشق، ولم يحفظ عنه أنه أخل بهما مرة واحدة، وكذلك الوضوء مرتبًا متواليًا، ولم يخل به مرة واحدة، وكان يغسل رجليه إذا لم يكونا في خفين ولا جوربين، ويمسح أذنيه مع رأسه ظاهرهما وباطنهما.
وكل حديث في أذكار الوضوء التي تقال عليه فكذب؛ غير التسمية في أوله، وقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين في آخره، وحديث آخر في سنن النسائي: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك .
ولم يكن يقول: في أوله نويت، ولا أحد من الصحابة البتة، ولم يتجاوز الثلاث قط، وكذلك لم يثبت عنه أنه تجاوز المرفقين والكعبين، ولم يكن يعتاد تنشيف أعضاءه، وكان يخلل لحيته أحيانًا ولم يواظب على ذلك، وكذلك تخليل الأصابع ولم يكن يحافظ عليه، وأما تحريك الخاتم فروي فيه حديث ضعيف.
وصح عنه أنه مسح في الحضر والسفر، ووقت للمقيم يومًا وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وكان يمسح ظاهر الخفين، ومسح على الجوربين، ومسح على العمامة مقتصرًا عليها ومع الناصية، ولكن يحتمل أن يكون خاصًّا بحال الحاجة، ويحتمل العموم وهو أظهر، ولم يكن يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخفين مسح، وإن كانتا مكشوفتين غسل.
وكان يتيمم بضربة واحدة للوجه والكفين، ويتيمم بالأرض التي يصلي عليها ترابًا كانت أو سبخة أو رملة، وصح عنه أنه قال: حيثما أدركت رجلًا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره ولما سافر هو وأصحابه في غزوة تبوك قطعوا تلك الرمال وماؤهم في غاية القلة، ولم يرو عنه أنه حمل معه التراب ولا أمر به ولا فعله أحد من أصحابه، ومن تدبر هذا قطع بأنه كان يتيمم بالرمل، ولم يصح عنه التيمم لكل صلاة ولا أمر به، بل أطلق التيمم وجعله قائمًا مقام الوضوء.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد بدأ هذا الكتاب بمقدمة في السيرة النبوية، ذكر فيها بدء النبوة، وذكر فيها شيئًا مما له صلة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فذكر زوجاته أمهات المؤمنين، وذكر عماته وذكر أعمامه، وتكلم أيضًا على شيء من هديه فيما يتعلق بآدابه وأخلاقه ودخوله وخروجه وأكله وشربه وما أشبه ذلك، ولما كان هذا من الأمور العادية لم يذكره المؤلف في هذا المختصر، بل اقتصر على ما فيه فائدة كالعبادات، فبدأ بذكر الوضوء والطهارة.
الطهارة يراد بها الطهارة بالماء من الحدثين؛ أي الوضوء والغسل، ويراد بها الطهارة أيضًا بالتراب وهو التيمم، وكذلك الطهارة بالمسح على الخفين وما أشبه ذلك، فاهتم العلماء رحمهم الله تعالى بهذه الطهارة لأن الله تعالى أكد أمرها، قال الله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ أي شرع هذه الأعمال ليطهركم.
فالاغتسال معلوم أنه ينظف البدن، والوضوء معلوم أيضًا أنه ينظف أجزاء من البدن، ينظف الوجه واليدين والرجلين، والتيمم معلوم أنه ليس فيه تنظيف ولكنه من باب الامتثال لأمر الله تعالى؛ حتى يشعر الإنسان بأنه أطاع ربه، وأنه امتثل أمره.
لا شك أن الله سبحانه تعبدنا بعبادات، ومن تلك العبادات الطهارة، أخبر تعالى بأنه يحبها، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ وأخبر بأنه أنزل ذلك الماء لها في قوله تعالى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا وقال الله تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ فجعل الله هذا الماء لحكم عظيمة ومن جملتها التطهر به.